بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أما بعد :
لكم إخوتي الأعضاء كما وعدتكم البردة المشرفة مع معانيها ما تيسر إن شاء الله :
الفصل الأول
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا
علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم
َمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
ذي سلم : موضع بين مكة و المدينة قرب قديد .
مقلة: شحمة العين التي هي السواء و البياض .
تلقاء: ناحية .
كاظمة: طريق إلى مكة معروف .
أومض: لمع و أضاء .
إضم: موضع قرب المدينة .
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا
وما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم
أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم
ما بين منسجم منه ومضطــــــــرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلــــــــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت
به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى
مثل البهار على خديك والعنــــــــم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي
والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
اكففا: امتنعتا عن الدمع .
همتا: سالتا بالدمع .
استفق: انتبه و ارجع الى رشدك .
يهم: يزداد عشقا .
الصب: العاشق .
منكتم: مستتر .
منسجم: الدمع السائل .
مضطرم: القلب الملتهب شوقا .
ترق: تسكب .
طلل: الطلل ما بقي من آثار الديار .
أرقت: سهرت .
البان: شجر لين الغصون .
العلم : جبل بالحجاز .
عدول : شهود و صدق .
الوجد : الحب و الحزن .
خطي : طريقي .
عبرة : دمعه .
وضنى : الضعف و الهزل .
البهار : زهر أصفر .
العنم : زهر أحمر .
طيف : خيال .
فأرقني : أسهرني .
يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ
عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ
إن المحب عن العذال في صــــــممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ
الهوى : الحب الطاهر .
عدتك : تجاوزتك حالي , و المعنى لا أراك الله حالي .
الوشاة : المنشغلين بالفتنة بين الناس .
منحسم : منقطع .
محضتني : أخلصت لي .
العذال : اللوام .
اتهمت : شككت في نصحه .
الشيب : أي ظهور الشيب كناصح بقرب الرحيل .
عذلي : لومي .
التعليق :إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لازم لكل مسلم يدعي الإيمان بالله تعالى ومحبته سبحانه ؛ إذ الإيمان بالله لا يصح إلا بمحبته سبحانه ، ومحبته تعالى لا تتم إلا بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته كما دل ذلك قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( آل عمران/31 ) ، وقال سبحانه : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ( التوبة /24 ) .. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : [ ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... الحديث ] ( متفق عليه ) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : [ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ] ( متفق عليه ) .
ولهذه المحبة أثرها على صاحبها ، فمتى تمكنت من قلب عبدٍ ظهر ذلك ـ ولا بد ـ على جوارحه وعلى فلتات لسانه ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر دليل وأعظم أسوة .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم قد حدت بكثير ممن عايشوها وعاينوها وكابدوها أن يمتدحوا محبوبهم صلى الله عليه وسلم نثراً وشعراً ، وقد خلد التاريخ بعض هذه المدائح كقصائد حسان بن ثابت ، وكعب ابن زهير ، وعبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وغيرهم كثير سواء في القديم أو في الحديث .
ومن القصائد التي كتب الله لها الذيوع والانتشار بردة البوصيري رحمه الله حيث حفظها أجيال من الناس لا يحصى عددهم .
بما ان الموضوع يعني بقصيدة"الكواكب الدرية في مدح خير البرية" المعروفة بقصيدة " البردة "لمؤلفها : الإمام البصيري عليه رحمة الله" و التي تعد من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في عصر الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مرّ العصور, فقد ارتأيت أن أضع ترجمة ولو صغيرة لسيرة هذا الإمام الرائذ لعصره و جوهرة زمانه في مدح النبي صلى الله عليه و سلم ... أسال الله التوفيق.
هو "شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري" المعروف بالإمام البصيري
ولد البوصيري بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال 608هـ = 7 من مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى، ونشأ بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب.
وقد تلقى البوصيري العلم منذ نعومة أظفاره؛ فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره، كما تتلمذ عليه عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم: أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي، وفتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس... وغيرهما
ونظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه وله قصائد كثيرة، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، واشتهر بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع فيها، كما برع في استخدام البيان، ولكن غلبت عليه المحسنات البديعية في غير تكلف؛ وهو ما أكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي.
وقد جارى البوصيري في كثير من شعره شعراء عصره في استعمال الألفاظ المولدة، كما كانت له تجارب عديدة في الأهاجي المقذعة، ولكنه مال –بعد ذلك– إلى النُسْك وحياة الزهد، واتجه إلى شعر المدائح النبوية. وتعد قصيدته "البردة" من أعظم المدائح النبوية، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة "كعب بن زهير" الشهيرة "بانت سعاد". وله أيضا القصيدة "الهمزية" في مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة، ومطلعها:
صلي ربي ثم سلم على مـــــــن هو للخلق رحمة و شفــــــــــاء
وزعلى الاهل و الصحابة جمعا ماتزينت بالنجوم السمـــــــــــــاء
* * *
كيف ترقـى رُقيَّك الأنبــــــيـاءُ يا سماء ما طاولتها سمــــاءُ
لم يساووك في عُلاك وقد حـال سنى منك دونهم وسنـــــــــاءُ
عُني البوصيري بقراءة السيرة النبوية، ومعرفة دقائق أخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) وجوامع سيرته العطرة، وأفرغ طاقته وأوقف شعره وفنه على مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان من ثمار مدائحه النبوية (بائياته الثلاث)، التي بدأ إحداها بلمحات تفيض عذوبة ورقة استهلها:
وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ
خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّبُ
ويستهل الثانية بقوله:
بمدح المصطفى تحيا القلوبُ
وتُغتفرُ الخطايا والذنوبُ
أما الثالثة، وهي أجودها جميعًا، فيبدؤها بقوله:
أزمعوا البين وشدوا الركابا
فاطلب الصبر وخلِّ العتابا
وله –أيضا- عدد آخر من المدائح النبوية الجيدة، من أروعها قصيدته "الحائية"، التي يقول فيها مناجيا الله عز وجل:
يا من خزائن ملكه مملوءة
كرمًا وبابُ عطائه مفتوح
ندعوك عن فقر إليك وحاجة
ومجال فضلك للعباد فسيح
فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا
إن الكريم عن المسيء صفوح
وقصيدته "الدالية" التي يبدؤها بقوله:
إلهي على كل الأمور لك الحمد
فليس لما أوليتَ من نعمٍ حدُّ
لك الأمر من قبل الزمان وبعده
وما لك قبل كالزمان ولا بعدُ
وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ
إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ
تُوفِّي الإمام البوصيري بالإسكندرية سنة (695 هـ= 1295م) عن عمر بلغ 87 عامًا.
**** ****
من أعظم بيوت قصيدة البردة التي سحرتني و تحسر كل سامع لها اخترت لكم ما يلي :
و النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضــــاع و إن تفظمه ينفطم
* * *
يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظُمـــتْ إن الكبائرَ في الغفــــــــــرانِ كاللمَم
حسب الورى من علاه أنه رجل
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
نبينا الامر الناهي فلا احد
سواه افضل من يمشي على قدم
ولا شريف سما نحو العلا شرفا
أبرفي قول (( لا)) ولا ((نعم ))
فاق النبيين في خلق وفي خُلق
وسابق الرسل في حلم وفي حُلم
فلم يجاروه في فضل ومنقبة
ولم يدانوه في علم ولا كرم
و كلهم من رسول الله ملتمس
يرجو مواهب غيث منه منسجم
وواردون عليه يسألون به
غرفا من البحر او رشفا من الديم
فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
بغير حق ولا وحي ولا ذمم
ونزه المصطفى عن مثل ما زعموا
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فبلغ العلم فيه انه بشر
وانه خير الخلق كلهم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
اعلم ان بعض الكلمات مبالغ فيها
ولا تجوز الا في حق الله عز وجل وردت في قصيدة البصيري واعلم ان بعض ما جاء في قوله فيه نظر وفيه اختلاف بل البعض لا اساس له من الدين كقوله لولا محمد ما خلق الكون الى غير ذلك من الامور التي يتداولها بعض الصوفية من الزيادات الباطلة والاحاديث الموضوعة
لكن القصيدة اذا استثنينا كل هذه الشبهات قصيدة رائعة وبها عبر ومنافع وتذكرة
كتبت هذه الكلمات حتى يكون القارئ على بينة وان لا ياخذ الكلام كله
مع تحياتي وسلامي ... الداودي عبد الرحيم .
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أما بعد :
لكم إخوتي الأعضاء كما وعدتكم البردة المشرفة مع معانيها ما تيسر إن شاء الله :
الفصل الأول
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا
علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم
َمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
ذي سلم : موضع بين مكة و المدينة قرب قديد .
مقلة: شحمة العين التي هي السواء و البياض .
تلقاء: ناحية .
كاظمة: طريق إلى مكة معروف .
أومض: لمع و أضاء .
إضم: موضع قرب المدينة .
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا
وما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم
أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم
ما بين منسجم منه ومضطــــــــرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلــــــــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت
به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى
مثل البهار على خديك والعنــــــــم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي
والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
اكففا: امتنعتا عن الدمع .
همتا: سالتا بالدمع .
استفق: انتبه و ارجع الى رشدك .
يهم: يزداد عشقا .
الصب: العاشق .
منكتم: مستتر .
منسجم: الدمع السائل .
مضطرم: القلب الملتهب شوقا .
ترق: تسكب .
طلل: الطلل ما بقي من آثار الديار .
أرقت: سهرت .
البان: شجر لين الغصون .
العلم : جبل بالحجاز .
عدول : شهود و صدق .
الوجد : الحب و الحزن .
خطي : طريقي .
عبرة : دمعه .
وضنى : الضعف و الهزل .
البهار : زهر أصفر .
العنم : زهر أحمر .
طيف : خيال .
فأرقني : أسهرني .
يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ
عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ
إن المحب عن العذال في صــــــممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ
الهوى : الحب الطاهر .
عدتك : تجاوزتك حالي , و المعنى لا أراك الله حالي .
الوشاة : المنشغلين بالفتنة بين الناس .
منحسم : منقطع .
محضتني : أخلصت لي .
العذال : اللوام .
اتهمت : شككت في نصحه .
الشيب : أي ظهور الشيب كناصح بقرب الرحيل .
عذلي : لومي .
التعليق :إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لازم لكل مسلم يدعي الإيمان بالله تعالى ومحبته سبحانه ؛ إذ الإيمان بالله لا يصح إلا بمحبته سبحانه ، ومحبته تعالى لا تتم إلا بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته كما دل ذلك قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( آل عمران/31 ) ، وقال سبحانه : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ( التوبة /24 ) .. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : [ ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... الحديث ] ( متفق عليه ) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : [ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ] ( متفق عليه ) .
ولهذه المحبة أثرها على صاحبها ، فمتى تمكنت من قلب عبدٍ ظهر ذلك ـ ولا بد ـ على جوارحه وعلى فلتات لسانه ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر دليل وأعظم أسوة .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم قد حدت بكثير ممن عايشوها وعاينوها وكابدوها أن يمتدحوا محبوبهم صلى الله عليه وسلم نثراً وشعراً ، وقد خلد التاريخ بعض هذه المدائح كقصائد حسان بن ثابت ، وكعب ابن زهير ، وعبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وغيرهم كثير سواء في القديم أو في الحديث .
ومن القصائد التي كتب الله لها الذيوع والانتشار بردة البوصيري رحمه الله حيث حفظها أجيال من الناس لا يحصى عددهم .
بما ان الموضوع يعني بقصيدة"الكواكب الدرية في مدح خير البرية" المعروفة بقصيدة " البردة "لمؤلفها : الإمام البصيري عليه رحمة الله" و التي تعد من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعر المديح في عصر الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مرّ العصور, فقد ارتأيت أن أضع ترجمة ولو صغيرة لسيرة هذا الإمام الرائذ لعصره و جوهرة زمانه في مدح النبي صلى الله عليه و سلم ... أسال الله التوفيق.
هو "شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري" المعروف بالإمام البصيري
ولد البوصيري بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال 608هـ = 7 من مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى، ونشأ بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب.
وقد تلقى البوصيري العلم منذ نعومة أظفاره؛ فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره، كما تتلمذ عليه عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم: أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي، وفتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس... وغيرهما
ونظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه وله قصائد كثيرة، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، واشتهر بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع فيها، كما برع في استخدام البيان، ولكن غلبت عليه المحسنات البديعية في غير تكلف؛ وهو ما أكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي.
وقد جارى البوصيري في كثير من شعره شعراء عصره في استعمال الألفاظ المولدة، كما كانت له تجارب عديدة في الأهاجي المقذعة، ولكنه مال –بعد ذلك– إلى النُسْك وحياة الزهد، واتجه إلى شعر المدائح النبوية. وتعد قصيدته "البردة" من أعظم المدائح النبوية، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة "كعب بن زهير" الشهيرة "بانت سعاد". وله أيضا القصيدة "الهمزية" في مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة، ومطلعها:
صلي ربي ثم سلم على مـــــــن هو للخلق رحمة و شفــــــــــاء
وزعلى الاهل و الصحابة جمعا ماتزينت بالنجوم السمـــــــــــــاء
* * *
كيف ترقـى رُقيَّك الأنبــــــيـاءُ يا سماء ما طاولتها سمــــاءُ
لم يساووك في عُلاك وقد حـال سنى منك دونهم وسنـــــــــاءُ
عُني البوصيري بقراءة السيرة النبوية، ومعرفة دقائق أخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) وجوامع سيرته العطرة، وأفرغ طاقته وأوقف شعره وفنه على مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان من ثمار مدائحه النبوية (بائياته الثلاث)، التي بدأ إحداها بلمحات تفيض عذوبة ورقة استهلها:
وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ
خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّبُ
ويستهل الثانية بقوله:
بمدح المصطفى تحيا القلوبُ
وتُغتفرُ الخطايا والذنوبُ
أما الثالثة، وهي أجودها جميعًا، فيبدؤها بقوله:
أزمعوا البين وشدوا الركابا
فاطلب الصبر وخلِّ العتابا
وله –أيضا- عدد آخر من المدائح النبوية الجيدة، من أروعها قصيدته "الحائية"، التي يقول فيها مناجيا الله عز وجل:
يا من خزائن ملكه مملوءة
كرمًا وبابُ عطائه مفتوح
ندعوك عن فقر إليك وحاجة
ومجال فضلك للعباد فسيح
فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا
إن الكريم عن المسيء صفوح
وقصيدته "الدالية" التي يبدؤها بقوله:
إلهي على كل الأمور لك الحمد
فليس لما أوليتَ من نعمٍ حدُّ
لك الأمر من قبل الزمان وبعده
وما لك قبل كالزمان ولا بعدُ
وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ
إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ
تُوفِّي الإمام البوصيري بالإسكندرية سنة (695 هـ= 1295م) عن عمر بلغ 87 عامًا.
**** ****
من أعظم بيوت قصيدة البردة التي سحرتني و تحسر كل سامع لها اخترت لكم ما يلي :
و النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضــــاع و إن تفظمه ينفطم
* * *
يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظُمـــتْ إن الكبائرَ في الغفــــــــــرانِ كاللمَم
حسب الورى من علاه أنه رجل
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
نبينا الامر الناهي فلا احد
سواه افضل من يمشي على قدم
ولا شريف سما نحو العلا شرفا
أبرفي قول (( لا)) ولا ((نعم ))
فاق النبيين في خلق وفي خُلق
وسابق الرسل في حلم وفي حُلم
فلم يجاروه في فضل ومنقبة
ولم يدانوه في علم ولا كرم
و كلهم من رسول الله ملتمس
يرجو مواهب غيث منه منسجم
وواردون عليه يسألون به
غرفا من البحر او رشفا من الديم
فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
بغير حق ولا وحي ولا ذمم
ونزه المصطفى عن مثل ما زعموا
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فبلغ العلم فيه انه بشر
وانه خير الخلق كلهم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
اعلم ان بعض الكلمات مبالغ فيها
ولا تجوز الا في حق الله عز وجل وردت في قصيدة البصيري واعلم ان بعض ما جاء في قوله فيه نظر وفيه اختلاف بل البعض لا اساس له من الدين كقوله لولا محمد ما خلق الكون الى غير ذلك من الامور التي يتداولها بعض الصوفية من الزيادات الباطلة والاحاديث الموضوعة
لكن القصيدة اذا استثنينا كل هذه الشبهات قصيدة رائعة وبها عبر ومنافع وتذكرة
كتبت هذه الكلمات حتى يكون القارئ على بينة وان لا ياخذ الكلام كله
مع تحياتي وسلامي ... الداودي عبد الرحيم .