.:: هل يجوز قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة ؟! ::.
قال العلاَّّمة الشَّيخ محمَّد تقيُّ الدِّين الهلالي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الحسام الماحق": "إعلم أن الإجتماع لقراءة القرآن في المسجد في غير أوقات الصلاة مشروع لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم:
((...وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله يَتْلونَ كِتَابَ الله وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِم السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُم المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُم الله فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة
لكن الإجتماع لقراءة القرآن الموافقة لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح أن يقرأ أحد القوم والباقون يسمعون، ومن عرض له شك في معنى الآية استوقف القارئ، وتكلم من يحسن الكلام في تفسيرها حتى ينجلي تفسيرها، ويتضح للحاضرين، ثم يستأنف القارئ القراءة
هكذا كان الأمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في جميع البلاد الإسلامية ماعدا بلاد المغرب في العصر الأخير، فقد وضع لهم أحد المغاربة ويسمى (عبد الله الهبطي) وقفا محْدَثا ليتمكنوا به من قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة، فنشأ عن ذلك بدعة القراءة جماعة بأصوات مجتمعة على نغمة واحدة، وهي بدعة قبيحة تشتمل على مفاسد كثيرة:
]الأولى: أنها محدثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((...وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة))
الثانية:]عدم الإنصات فلا ينصت أحد منهم إلى الآخر، بل يجهر بعضهم على بعض بالقرآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ((كُلُّكُمْ يُناجِي رَبَّهُ فَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالقُرْآنِ، وَلا يُؤْذِ بَعْضُكُمْ بَعْضاً))
]الثالثة:أن اضطرار القارئ إلى التنفس واستمرار رفقائه في القراءة يجعله يقطع القرآن ويترك فقرات كثيرة فتفوته كلمات في لحظات تنفسه، وذلك محرم بلا ريب
]الرابعة: أنه يتنفس في المد المتصل مثل: جاء، وشاء، وأنبياء، وآمنوا، وما أشبه ذلك فيقطع الكلمة الواحدة نصفين، ولا شك في أن ذلك محرم وخارج عن آداب القراءة، وقد نص أئمة القراءة على تحريم ما هو دون ذلك، وهو الجمع بين الوقف والوصل، كتسكين باء {لاَ رَيْبَ} و وصْلِها بقوله عز وجل: {فِيهِ هُدًى}، قال الشيخ التهامي بن الطيب في نصوصه:
الجمع بين الوصل والوقف حرام ::*:: نص عليه غير عالم همام
]الخامسة: أن في ذلك تشبها بأهل الكتاب في صلواتهم في كنائسهم]فواحدة من هذه المفاسد تكفي لتحريم ذلك، والطامة الكبرى أنه يستحيل التدبر في مثل تلك القراءة، وقد زجر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله في سورة محمد: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ونحن نشاهد معظم من يقرأ تلك القراءة لا يتدبر القرآن و لا ينتفع به، وتالله لقد شاهدت قراء القرآن على القبر فلم يتعظوا بمشاهدته ولا برؤية القبور ولا بما يقرؤونه من القرآن، فقبح الله قوما هذا حالهم {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}".
قال أبو إسحاق الشاطبي في (الاعتصام):
( و اعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً له أو كالوصف فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة: إما بالقصد، وإما بالعبادة، و إما بالزيادة أو بالنقصان .
إما بالعبادة كالجهر و الإجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان، فإن بينه و بين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمضادين عادة، وكالذين حكى عنهم ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه قال : ( مَرَّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول: سبحُوا عَشرَا و هللوا عشرَا، فقال عبد الله: إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أو أضل؟ بل هذا "يعني أضل" ).
و في رواية عنه : أن رجلاً كان يجمع الناس فيقول: رحم الله من قال كذا و كذا مرة "الحمد لله"، قال فمر بـهم عبد الله بن مسعود فقال لهم: ( هُديتم لما لم يُهدَ نبيكم، وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة ) ، وذكر لهم أن ناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم و قد كوم كل رجل بين يديه كوماً من حصى قال: فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد و يقول : " لقد أحدثتم بدعة و ظلماً و كأنكم فقتم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم علمًا ").انتهى
تعليق: و قد روي هذا الحديث عن ابن مسعود من طرق كثيرة بعبارات مختلفة لفظاً و متفقة معنى، بعض الروايات مطول و بعضها مختصر و فيه فوائد :
الأولى: هذا الحديث موقوف و لكنه في حكم المرفوع، لأن ابن مسعود صرح بأن ذلك مخالف لسنة النبي صلى الله عليه و سلم ففي بعض الروايات " : وَيْحَكُم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هذه ثيابه لم تبل، و أوانيه لم تكسر، و نساؤه شواب، و قد أحدثتم ما أحدثتم" ، و في رواية أخرى أن عبد الله بن مسعود لما طردهم من مسجد الكوفة و رماهم بالحصباء، خرجوا إلى ظاهر الكوفة و بنوا مسجداً و أخذوا يعملون ذلك العمل، فأمر عبد الله بن مسعود بـهدمه فهدم .
الثانية: أن البدعة و إن كانت إضافية شَرٌ من المعاصي كما حققه أبو إسحاق الشاطبي فهي حرام، إنما كانت شراً من المعاصي لأن المعصية يفعلها صاحبها وهو معترف بذنبه فيرجى له أن يتوب منها .
الثالثة: أن المبتدع يستحق العقاب و الطرد من المسجد إن كان الابتداع فيه .
الرابعة: أن كل مسجد بني على قبر أو بني لارتكاب البدع فيه يجب هدمه؛ لأنه مثل مسجد الضرار الذي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بـهدمه و إحراقه، فهدمه أصحابه و جعل كناسة ترمي فيه الجيف، و قد نقل غير واحد عن ابن حجر الهيثمي أنه قال: ( إن هذه المساجد المبنية على القبور هي أحق بالهدم من مسجد الضرار )، وابن حجر هذا كان مبتدعاً ضالاً و لكنه في هذه المسألة قال الحق، والحكمة ضالة المؤمن، يأخذها حيث وجدها. أما الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فهو إمام محقق لم يشرح أحد صحيح البخاري مثل شرحه المسمى بـ (فتح الباري) ولذلك قال العلماء: (لا هجرة بعد الفتح). أي لا شرح للبخاري يستحق الاعتبار بعد فتح الباري، ثم قال أبو إسحاق عاطفاً على البدع المنكرة: ( و من أمثلة ذلك أيضاً: قراءة القرآن على صوت واحد، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة، و كذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الرواية)
قال محمد تقي الدين : و العجب من هؤلاء المشركين المبتدعين الضلال ، فإنـهم يتلونون تلون الحرباء لا يستقرون على حال أبداً ، فتارة يدعون أنـهم مقلدون لمالك ، و يرون من خالف مذهبه كمن خالف القرآن و السنة المثبتة المحكمة ، و يغلون في ذلك إلى أن يجعلوا البسملة و التعوذ و قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية و الجهر بالتأمين و وضع اليمنى على اليسرى و رفع اليدين عند الركوع و الرفع منه و بعد القيام من التشهد الأول ، و السلام تسليمتين ( السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ) و ما أشبه ذلك من السنة المثبتة عن النبي صلى الله عليه و سلم التي يراها من له أدنى إلمام بالفقه في الدين كالشمس في رابعة النهار كأنه يشاهد النبي صلى الله عليه و سلم يفعلها لا يشك في ذلك و لا يرتاب فيه ، يجعلون ذلك من المنكرات التي يجب أن تغير ، و يكتب فيها من بلد إلى بلد مع أن مالكاً في الحقيقة قائل ببعضها تفصيلاً و بسائرها إجمالاً ، ثم يخالفون فيما ينهى عنه و يكرهه كراهة تحريم من البدع التي لا تسند إلى أي دليل كعبادة القبور و زيارتـها زيارة بدعية ، و قراءة القرآن على الميت بعد موته و على قبره ، و قراءة القرآن جماعة بصوت واحد ، و قراءة الأذكار و الأوراد كذلك ، و قد صرح بذلك خليل الذي يعدون مختصره قرآناً يتلى غلواً منهم و ضلالاً .
قال في مختصره عاطفاً على المكروهات : ( و جهر بـها في مسجد كجماعة ) ، و لا يبالون بخلافه فيما اعتادوه من البدع ، فيحلونه عاماً و يحرمونه عاماً ، و ما أحسن قوله تعالى في سورة القصص يخاطب رسوله صلى الله عليه و سلم : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله . إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) "
انتهى ما قال رحمه الله
القراءة المذكورة (وتسمى قراءة الحزب وتكون بعد صلاتي الفجر والمغرب، لا شك في بدعيتها، وحرمتها، من أوجه كثيرة.
منها:
- أنها عمل محدث لم يعرف في زمن الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، إلى أن ظهرت في أزمنة البدع والمحدثات.
- أن القارئين لا يراعون قواعد التلاوة البتة. ومن قال بالعكس فهو جاهل بقواعد التجويد جهلا شنيعا.
- أنهم لا يراعون الأدب مع آيات القرآن، فقارئ يبدأ مثلا فيقول (يا أيها الذين آمنوا) ثم ينقطع نفسه، أو ينشغل بسعال ونحوه، فإذا التحق بالركب من جديد، وجدهم قد جاوزوه ببضع آيات، فيدخل معهم من جديد!!.
- أنهم لا يراعون الأدب مع القرآن، فبعضم يتلفت يمينا وشمالا، وبعضهم يهمس في أذن صاحبه، وبعضهم يحك رجله، وهكذا... والله المستعان.
- أنهم يشوشون على الذاكرين والقارئين والداعين في المساجد، بأصواتهم الفظيعة، وضجيجهم المرتفع.
إلى آخر المفاسد والمنهيات
قول القائل:ولم يعرف لإحد من أهل العلم في المغرب إنكار لها مما يدل على شرعيتها .
فيه مجازفة كبرى من وجهين:
اولا الاعتماد على أصل غير صحيح......وهو ان عدم الانكار يدل على المشروعية....ونسي ان السنة حجة على الجميع المنكر وغيرالمنكر.
ثانيا....تجاهل ما ذكره كبار علماء المالكية شرقا وغربا.....وعلى رأسهم قول الامام نفسه.وقد أصاب اخونا ابو أنس لما أشار الى كتاب الاعتصام......وهذه بعض النقول منه.
.
قال الامام الشاطبي وهو مالكي من الغرب الاسلامي:
قال مالك : أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف يريد أنه أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح في المسجد
قال ابن رشد : مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم فهذه محدثة ـ أعني وضعه في المسجد ـ لأن القراءة في المسجد مشروع في الجملة معمول به إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه هو المحدث
ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد.
وقال فى موضع آخر:
ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك وأنكر أن يكون من عمل الناس
وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ونهى عنها ورآها بدعة
وقال في رواية أخرى عن مالك : وسئل عن القراءة بالمسجد فقال : لم يكن بالأمر القديم وإنما هو شيء أحدث ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها والقرآن حسن
قال ابن رشد : يريد التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كله ما يجامع قرطبة إثر صلاة الصبح ( قال ) : فرأى ذلك بدعة.
فمن علماء المغاربة المتأخرين الشيخ النتيفي رحمه الله كان ينكرها. ومن قبله الامام الشاطبي من أيمة الأندلس فكيف يقال جرى بها العمل من غيرإنكار؟
أما الاستدلال بكلام ابن لب فجار على أصوله لأن البدعة عنده تعتريها الأحكام الخمسة وبين فساد ذلك تلميذه الشاطبي.
((...وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله يَتْلونَ كِتَابَ الله وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِم السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُم المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُم الله فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة
لكن الإجتماع لقراءة القرآن الموافقة لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح أن يقرأ أحد القوم والباقون يسمعون، ومن عرض له شك في معنى الآية استوقف القارئ، وتكلم من يحسن الكلام في تفسيرها حتى ينجلي تفسيرها، ويتضح للحاضرين، ثم يستأنف القارئ القراءة
هكذا كان الأمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في جميع البلاد الإسلامية ماعدا بلاد المغرب في العصر الأخير، فقد وضع لهم أحد المغاربة ويسمى (عبد الله الهبطي) وقفا محْدَثا ليتمكنوا به من قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة، فنشأ عن ذلك بدعة القراءة جماعة بأصوات مجتمعة على نغمة واحدة، وهي بدعة قبيحة تشتمل على مفاسد كثيرة:
]الأولى: أنها محدثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((...وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة))
الثانية:]عدم الإنصات فلا ينصت أحد منهم إلى الآخر، بل يجهر بعضهم على بعض بالقرآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ((كُلُّكُمْ يُناجِي رَبَّهُ فَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالقُرْآنِ، وَلا يُؤْذِ بَعْضُكُمْ بَعْضاً))
]الثالثة:أن اضطرار القارئ إلى التنفس واستمرار رفقائه في القراءة يجعله يقطع القرآن ويترك فقرات كثيرة فتفوته كلمات في لحظات تنفسه، وذلك محرم بلا ريب
]الرابعة: أنه يتنفس في المد المتصل مثل: جاء، وشاء، وأنبياء، وآمنوا، وما أشبه ذلك فيقطع الكلمة الواحدة نصفين، ولا شك في أن ذلك محرم وخارج عن آداب القراءة، وقد نص أئمة القراءة على تحريم ما هو دون ذلك، وهو الجمع بين الوقف والوصل، كتسكين باء {لاَ رَيْبَ} و وصْلِها بقوله عز وجل: {فِيهِ هُدًى}، قال الشيخ التهامي بن الطيب في نصوصه:
الجمع بين الوصل والوقف حرام ::*:: نص عليه غير عالم همام
]الخامسة: أن في ذلك تشبها بأهل الكتاب في صلواتهم في كنائسهم]فواحدة من هذه المفاسد تكفي لتحريم ذلك، والطامة الكبرى أنه يستحيل التدبر في مثل تلك القراءة، وقد زجر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله في سورة محمد: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ونحن نشاهد معظم من يقرأ تلك القراءة لا يتدبر القرآن و لا ينتفع به، وتالله لقد شاهدت قراء القرآن على القبر فلم يتعظوا بمشاهدته ولا برؤية القبور ولا بما يقرؤونه من القرآن، فقبح الله قوما هذا حالهم {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}".
قال أبو إسحاق الشاطبي في (الاعتصام):
( و اعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً له أو كالوصف فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة: إما بالقصد، وإما بالعبادة، و إما بالزيادة أو بالنقصان .
إما بالعبادة كالجهر و الإجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان، فإن بينه و بين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمضادين عادة، وكالذين حكى عنهم ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه قال : ( مَرَّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه وهو يقول: سبحُوا عَشرَا و هللوا عشرَا، فقال عبد الله: إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أو أضل؟ بل هذا "يعني أضل" ).
و في رواية عنه : أن رجلاً كان يجمع الناس فيقول: رحم الله من قال كذا و كذا مرة "الحمد لله"، قال فمر بـهم عبد الله بن مسعود فقال لهم: ( هُديتم لما لم يُهدَ نبيكم، وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة ) ، وذكر لهم أن ناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم و قد كوم كل رجل بين يديه كوماً من حصى قال: فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد و يقول : " لقد أحدثتم بدعة و ظلماً و كأنكم فقتم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم علمًا ").انتهى
تعليق: و قد روي هذا الحديث عن ابن مسعود من طرق كثيرة بعبارات مختلفة لفظاً و متفقة معنى، بعض الروايات مطول و بعضها مختصر و فيه فوائد :
الأولى: هذا الحديث موقوف و لكنه في حكم المرفوع، لأن ابن مسعود صرح بأن ذلك مخالف لسنة النبي صلى الله عليه و سلم ففي بعض الروايات " : وَيْحَكُم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هذه ثيابه لم تبل، و أوانيه لم تكسر، و نساؤه شواب، و قد أحدثتم ما أحدثتم" ، و في رواية أخرى أن عبد الله بن مسعود لما طردهم من مسجد الكوفة و رماهم بالحصباء، خرجوا إلى ظاهر الكوفة و بنوا مسجداً و أخذوا يعملون ذلك العمل، فأمر عبد الله بن مسعود بـهدمه فهدم .
الثانية: أن البدعة و إن كانت إضافية شَرٌ من المعاصي كما حققه أبو إسحاق الشاطبي فهي حرام، إنما كانت شراً من المعاصي لأن المعصية يفعلها صاحبها وهو معترف بذنبه فيرجى له أن يتوب منها .
الثالثة: أن المبتدع يستحق العقاب و الطرد من المسجد إن كان الابتداع فيه .
الرابعة: أن كل مسجد بني على قبر أو بني لارتكاب البدع فيه يجب هدمه؛ لأنه مثل مسجد الضرار الذي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بـهدمه و إحراقه، فهدمه أصحابه و جعل كناسة ترمي فيه الجيف، و قد نقل غير واحد عن ابن حجر الهيثمي أنه قال: ( إن هذه المساجد المبنية على القبور هي أحق بالهدم من مسجد الضرار )، وابن حجر هذا كان مبتدعاً ضالاً و لكنه في هذه المسألة قال الحق، والحكمة ضالة المؤمن، يأخذها حيث وجدها. أما الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فهو إمام محقق لم يشرح أحد صحيح البخاري مثل شرحه المسمى بـ (فتح الباري) ولذلك قال العلماء: (لا هجرة بعد الفتح). أي لا شرح للبخاري يستحق الاعتبار بعد فتح الباري، ثم قال أبو إسحاق عاطفاً على البدع المنكرة: ( و من أمثلة ذلك أيضاً: قراءة القرآن على صوت واحد، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة، و كذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الرواية)
قال محمد تقي الدين : و العجب من هؤلاء المشركين المبتدعين الضلال ، فإنـهم يتلونون تلون الحرباء لا يستقرون على حال أبداً ، فتارة يدعون أنـهم مقلدون لمالك ، و يرون من خالف مذهبه كمن خالف القرآن و السنة المثبتة المحكمة ، و يغلون في ذلك إلى أن يجعلوا البسملة و التعوذ و قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية و الجهر بالتأمين و وضع اليمنى على اليسرى و رفع اليدين عند الركوع و الرفع منه و بعد القيام من التشهد الأول ، و السلام تسليمتين ( السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ) و ما أشبه ذلك من السنة المثبتة عن النبي صلى الله عليه و سلم التي يراها من له أدنى إلمام بالفقه في الدين كالشمس في رابعة النهار كأنه يشاهد النبي صلى الله عليه و سلم يفعلها لا يشك في ذلك و لا يرتاب فيه ، يجعلون ذلك من المنكرات التي يجب أن تغير ، و يكتب فيها من بلد إلى بلد مع أن مالكاً في الحقيقة قائل ببعضها تفصيلاً و بسائرها إجمالاً ، ثم يخالفون فيما ينهى عنه و يكرهه كراهة تحريم من البدع التي لا تسند إلى أي دليل كعبادة القبور و زيارتـها زيارة بدعية ، و قراءة القرآن على الميت بعد موته و على قبره ، و قراءة القرآن جماعة بصوت واحد ، و قراءة الأذكار و الأوراد كذلك ، و قد صرح بذلك خليل الذي يعدون مختصره قرآناً يتلى غلواً منهم و ضلالاً .
قال في مختصره عاطفاً على المكروهات : ( و جهر بـها في مسجد كجماعة ) ، و لا يبالون بخلافه فيما اعتادوه من البدع ، فيحلونه عاماً و يحرمونه عاماً ، و ما أحسن قوله تعالى في سورة القصص يخاطب رسوله صلى الله عليه و سلم : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله . إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) "
انتهى ما قال رحمه الله
القراءة المذكورة (وتسمى قراءة الحزب وتكون بعد صلاتي الفجر والمغرب، لا شك في بدعيتها، وحرمتها، من أوجه كثيرة.
منها:
- أنها عمل محدث لم يعرف في زمن الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، إلى أن ظهرت في أزمنة البدع والمحدثات.
- أن القارئين لا يراعون قواعد التلاوة البتة. ومن قال بالعكس فهو جاهل بقواعد التجويد جهلا شنيعا.
- أنهم لا يراعون الأدب مع آيات القرآن، فقارئ يبدأ مثلا فيقول (يا أيها الذين آمنوا) ثم ينقطع نفسه، أو ينشغل بسعال ونحوه، فإذا التحق بالركب من جديد، وجدهم قد جاوزوه ببضع آيات، فيدخل معهم من جديد!!.
- أنهم لا يراعون الأدب مع القرآن، فبعضم يتلفت يمينا وشمالا، وبعضهم يهمس في أذن صاحبه، وبعضهم يحك رجله، وهكذا... والله المستعان.
- أنهم يشوشون على الذاكرين والقارئين والداعين في المساجد، بأصواتهم الفظيعة، وضجيجهم المرتفع.
إلى آخر المفاسد والمنهيات
قول القائل:ولم يعرف لإحد من أهل العلم في المغرب إنكار لها مما يدل على شرعيتها .
فيه مجازفة كبرى من وجهين:
اولا الاعتماد على أصل غير صحيح......وهو ان عدم الانكار يدل على المشروعية....ونسي ان السنة حجة على الجميع المنكر وغيرالمنكر.
ثانيا....تجاهل ما ذكره كبار علماء المالكية شرقا وغربا.....وعلى رأسهم قول الامام نفسه.وقد أصاب اخونا ابو أنس لما أشار الى كتاب الاعتصام......وهذه بعض النقول منه.
.
قال الامام الشاطبي وهو مالكي من الغرب الاسلامي:
قال مالك : أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف يريد أنه أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح في المسجد
قال ابن رشد : مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم فهذه محدثة ـ أعني وضعه في المسجد ـ لأن القراءة في المسجد مشروع في الجملة معمول به إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه هو المحدث
ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد.
وقال فى موضع آخر:
ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك وأنكر أن يكون من عمل الناس
وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ونهى عنها ورآها بدعة
وقال في رواية أخرى عن مالك : وسئل عن القراءة بالمسجد فقال : لم يكن بالأمر القديم وإنما هو شيء أحدث ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها والقرآن حسن
قال ابن رشد : يريد التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كله ما يجامع قرطبة إثر صلاة الصبح ( قال ) : فرأى ذلك بدعة.
فمن علماء المغاربة المتأخرين الشيخ النتيفي رحمه الله كان ينكرها. ومن قبله الامام الشاطبي من أيمة الأندلس فكيف يقال جرى بها العمل من غيرإنكار؟
أما الاستدلال بكلام ابن لب فجار على أصوله لأن البدعة عنده تعتريها الأحكام الخمسة وبين فساد ذلك تلميذه الشاطبي.
.