مصطلحات
الشرك
خلق الله تعالى هذا الإنسان على فطرة التوحيد والإسلام متهيناً لقبول الدين ،
فلا يعدل عن هذا وينحرف إلا لآفة تنحرف بهذه الفطرة وذلك عندما تتضافر جملة
من العوامل التي تساعد على الانحراف ، فيقع الإنسان عندئذ في واحدة من صوره
كالشرك والنفاق . وسنقف - إن شاء الله تعالى - على كل واحدة من هاتين
الصورتين بكلمة تعريفية موجزة ، تحدد معناها اللغوي والاصطلاحي ، وأصل
نشأتها ، وبعض صورها .
-1-
إذا استنطقنا كتب اللغة وجدنا أن ( الشين والراء والكاف ) أصلان يدل أحدهما
على اقتران وعدم انفراد ... وهو أن يكون الشيء بين اثنين ، لا ينفرد به واحد
منهما .
يقال : » شاركتُ فلاناً في الشيء ؛ إذا صرتُ شريكه . وأشركتُ فلاناً : إذا
جعلته شريكاً «
والشرك أيضاً : إسناد الأمر المختص بواحدٍ إلى من ليس معه أمره . يقال :
أشرك بالله : جعل له شريكاً في ملكه -تعالى الله عن ذلك - ... ومن عدل بالله
تعالى شيئاً من خلقه فهو كافر مشرك ؛ لأن الله وحده لا شريك له ، ولاندّ له ولا
نديد [1]
-2-
وفي الاصطلاح الشرعي : يطلق لفظ الشرك على نوعين :
أحدهما : إثبات شريك لله تعالى ، وهو الشرك الأكبر .
والثاني : مراعاة غير الله تعالى في بعض الأمور ، وهو الشرك الأصغر .
فالشرك الأكبر وهو أن يتخذ مع الله تعالى ، أو من دون الله ، إلهاً آخر ،
يعبده بنوع من أنواع العبادة .
قال ابن القيم : ( والشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وهو أن يتخذ من
دون الله نداً يحبه كما يحب الله ، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين
برب العالمين ) . [2]
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ :
» الشرك قد عرّفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعريف جامع ، كما في
حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال يا رسول الله : أي الذنب أعظم ؟ قال : » أن تجعل لله نداً وهو خلقك « أخرجه البخاري ومسلم ، والند : المثل والشبيه ،
فمن صرف شيئاً من العبادات لغير الله فقد أشرك به شركاً يبطل التوحيد
وينافيه « . [3]
وعرّف الشيخ عبد الرحمن السعدي هذا الشرك بتعريف جامع مانع قال :
» إن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد
نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله ، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور
به من الشارع ، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص ، وصرفه لغيره شرك
وكفر ، فعليك بهذا الضابط الذي لا يشذ عنه شيء « . [4]
وهذا أعظم الشرك والظلم ، ولا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه ، لأنه
يناقض أصل التوحيد ويخرج صاحبه عن الملّة ، ويحبط عمله ، ويخلِّد في النار .
وإذا أطلقت كلمة الشرك فإنها تنصرف إلى هذا النوع منه .
-3-
وأصل هذا الشرك ومنشؤه هو : تسوية غير الله بالله تعالى ، أو هو تشبيه
غير الله بالله تعالى في صفة من الصفات التي يختص بها ؛ مما لم يعهد في جنس
الإنسان ، فالذ يعبد كائناً ما من دون الله فيدعوه أو يطلب منه الشفاعة أو يخافه ،
أو يتخذ كمه شرعاً له ... إنما يفعل ذلك لأنه يعتقد أنه صاحب سلطة وحكم على
الخلق..
يقول ابن تيمية : » وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما
يستحقه وحده ، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئاً من المخلوقات في جميع الأمور ، فمن
عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك « . [5] والصورة الواضحة الجلية لهذا الشرك
هي عبادة الأصنام ، التي كانت تتخذ سابقاً في عصور الجاهلية القديمة من حجر أو
خشب ... ولكنها تظهر في عصور أخرى بمظاهر شتى قد تكون مذهباً من المذاهب
الفكرية ، أو الاقتصادية وقد تكون أهواء وشهوات يخضع لها الناس فيتخذونها آلهة.. وقد تكون الأصنام مجموعة من القيم الاجتماعية والمادية التي تسيطر على الناس ، على ما حكاه الله تعالى عن أقوام فقال : ] أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ [ [الجاثية : 23]
] مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وهُمْ فِيهَا لا
يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إلاَّ النَّارُ وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ [ [ هود : 15 ، 16] .
-4-
ويبحث العلماء تحت هذا الشرك أنواعاً من العبودية لغير الله ، كشرك الدعاء
سواء كان دعاء عبادة وثناء ، أو دعاء طلب ومسألة ، مما لا يجوز أن يتوجه به إلا
لله تعالى وحده ، لأن الدعاء هو العبادة .
وكذلك شرك العبادة والتقرب الذي يظهر جلياً وواضحاً في عبادة الأصنام
وإعطائها بعض خصائص الألوهية ، أياً كانت هذه الأصنام وبأي صورة ظهرت .
ولا يقل عن هذا اللون من الشرك ما يسمى أيضاً بشرك طلب الشفاعة من غير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. وكتب العقيدة والتوحيد أفاضت في بيان ذلك
كله .
وتبقى ألوان أخرى من الشرك الأكبر قد تكون اتسعت دائرتها في العصور
الأخيرة ، أكثر مما كانت في عصور سابقة ، وذلكم هو شرك الطاعة والاتباع ،
وشرك المحبة والنصرة .
-5-
فقد اتفق العلماء على أن الحكم لله وحده سبحانه وتعالى ، فهو المتفرد بالخلق
فينبغي أن يكون متفردا بالأمر . فلا أحد يستحق أن ينفذ حكمه على الخلق إلا من
كان له الخلق والأمر - سبحانه وتعالى - فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه ، ولا
مالك إلا الله الخالق ، فلا حكم ولا أمر إلا له . أما غيره سبحانه ، فلا يجب شيء
بإيجابه ، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم [6] .
وقد تواردت النصوص الشرعية تؤيد هذا المنطلق السليم وتؤكده ، فهي تُلْزِم
البشر باتباع ما جاء من عند الله تعالى ، وتحرِّم عليهم تحريما قاطعاً اتباع ما يخالفه : ] اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ [
[الأنعام : 106] ، ] اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [ [الأعراف : 3] ...
والآيات في ذلك كثيرة تعزُّ على الحصر .. توجب الحكم بما أنزل الله وتحكم
بالكفر والفسق والظلم على كل من يخالف حكم الله تعالى .
ولذلك كان كل من أطاع مخلوقاً في تحريم الحلال أو تحليل الحرام - وهو
متبع له في هذا التبديل - فهو مشرك شرك الطاعة والانقياد والاتباع [7] .
وقد حكم الله على اليهود والنصارى بالشرك لاتباعهم الأحبار والرهبان
واتخاذهم أرباباً من دون الله ، ثم بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بياناً
واضحاً ببيان ما هية العبادة التي وقعوا فيها . [8]
وهذا النوع من الشرك يعم اليوم أصقاعاً وبقاعاً كثيرة في بلدان العالم ، بعد
تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم في شؤون الحياة كبيرها وصغيرها ، وحصرها
في جوانب ضيقة ، واستبدلوا بها القوانين الوضعية التي ارتضاها الناس لأنفسهم
بمعزل عن دين الله تعالى وشرعه . ولذلك كان من الواجب العناية بهذا اللون من
الشرك وبيان خطورته ، وإن كان ذلك سيؤدي إلى تكاليف باهظة يحتسبها المسلم
عند الله تعالى .
وأما شرك المحبة والنصرة والولاء فيكون عندما يتوجه الإنسان بالمحبة لغير
الله تعالى ، إذْ من مقتضيات التوحيد وأصول العبادة أن نفرد الله تعالى بالمحبة التي
لا تصلح إلا له » وهي حب طاعته والانقياد لأمره « وإلا وقع الشرك الذي جاء
التحذير منه ، عندما تكون المحبة لأعداء الله ، عند موالاة الكافرين ونصرتهم ، لأن
في ذلك نقضاً للميثاق ولكلمة التوحيد ، وخروجاً على مقتضيات الإيمان : ] لا
يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي
شَيْءٍ [ [آل عمران : 28] ] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ [
[المائدة : 51] .
وأما تعريف الشرك الأصغر فهو ما أتى في النصوص الشرعية أنه شرك ،
ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر .
ومن أمثلة هذا الشرك : التطير ؛ وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ لم
والبقاع وغيرها .
ومن الشرك الأصغر : شرك الألفاظ كالحلف بغير الله ، وقول أحدهم : ما شاء
الله وشئت ، ولولا الله وفلان ... إلخ ..
ومن الشرك الأصغر : يسير الرياء لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (إن يسير
الرياء شرك) . وفي ختام هذه المقالة ندعو بما صح عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في قوله : » اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم واستغفرك لما لا
أعلم « .
________________________
(1) معجم مقاييس اللغة : 3 / 365 ، لسان العرب : 10/449 - 450 .
(2) مدا رج السالكين : 1 / 339 .
(3) الدرر السنية : 2/153 .
(4) القول السديد : 43 .
(5) الاستقامة : 1/344 .
(6) المستصفى لغزالي : 1/ 83 ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : 1/ 76 ، مسلم الثبوت : 1 / 52 ، وشرح الكوكب المنير : 1/ 484 ، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام : 1/157- 158 .
(7) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية : 1/97 ، 98 ، 14/ 328 ، 7/70 وتيسير العزيز الحميد (543) .
(8) انظر : تفسير الطبري 4 1/210-211 ، والبغوي : 4/ 39 ، تفسير ابن كثير : 3/122-123 مفاهيم ينبغي أن تصحح ، للأستاذ/ محمد قطب ، فصل (مفهوم لا إله إلا الله) .
الشرك
خلق الله تعالى هذا الإنسان على فطرة التوحيد والإسلام متهيناً لقبول الدين ،
فلا يعدل عن هذا وينحرف إلا لآفة تنحرف بهذه الفطرة وذلك عندما تتضافر جملة
من العوامل التي تساعد على الانحراف ، فيقع الإنسان عندئذ في واحدة من صوره
كالشرك والنفاق . وسنقف - إن شاء الله تعالى - على كل واحدة من هاتين
الصورتين بكلمة تعريفية موجزة ، تحدد معناها اللغوي والاصطلاحي ، وأصل
نشأتها ، وبعض صورها .
-1-
إذا استنطقنا كتب اللغة وجدنا أن ( الشين والراء والكاف ) أصلان يدل أحدهما
على اقتران وعدم انفراد ... وهو أن يكون الشيء بين اثنين ، لا ينفرد به واحد
منهما .
يقال : » شاركتُ فلاناً في الشيء ؛ إذا صرتُ شريكه . وأشركتُ فلاناً : إذا
جعلته شريكاً «
والشرك أيضاً : إسناد الأمر المختص بواحدٍ إلى من ليس معه أمره . يقال :
أشرك بالله : جعل له شريكاً في ملكه -تعالى الله عن ذلك - ... ومن عدل بالله
تعالى شيئاً من خلقه فهو كافر مشرك ؛ لأن الله وحده لا شريك له ، ولاندّ له ولا
نديد [1]
-2-
وفي الاصطلاح الشرعي : يطلق لفظ الشرك على نوعين :
أحدهما : إثبات شريك لله تعالى ، وهو الشرك الأكبر .
والثاني : مراعاة غير الله تعالى في بعض الأمور ، وهو الشرك الأصغر .
فالشرك الأكبر وهو أن يتخذ مع الله تعالى ، أو من دون الله ، إلهاً آخر ،
يعبده بنوع من أنواع العبادة .
قال ابن القيم : ( والشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وهو أن يتخذ من
دون الله نداً يحبه كما يحب الله ، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين
برب العالمين ) . [2]
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ :
» الشرك قد عرّفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعريف جامع ، كما في
حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال يا رسول الله : أي الذنب أعظم ؟ قال : » أن تجعل لله نداً وهو خلقك « أخرجه البخاري ومسلم ، والند : المثل والشبيه ،
فمن صرف شيئاً من العبادات لغير الله فقد أشرك به شركاً يبطل التوحيد
وينافيه « . [3]
وعرّف الشيخ عبد الرحمن السعدي هذا الشرك بتعريف جامع مانع قال :
» إن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد
نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله ، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور
به من الشارع ، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص ، وصرفه لغيره شرك
وكفر ، فعليك بهذا الضابط الذي لا يشذ عنه شيء « . [4]
وهذا أعظم الشرك والظلم ، ولا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه ، لأنه
يناقض أصل التوحيد ويخرج صاحبه عن الملّة ، ويحبط عمله ، ويخلِّد في النار .
وإذا أطلقت كلمة الشرك فإنها تنصرف إلى هذا النوع منه .
-3-
وأصل هذا الشرك ومنشؤه هو : تسوية غير الله بالله تعالى ، أو هو تشبيه
غير الله بالله تعالى في صفة من الصفات التي يختص بها ؛ مما لم يعهد في جنس
الإنسان ، فالذ يعبد كائناً ما من دون الله فيدعوه أو يطلب منه الشفاعة أو يخافه ،
أو يتخذ كمه شرعاً له ... إنما يفعل ذلك لأنه يعتقد أنه صاحب سلطة وحكم على
الخلق..
يقول ابن تيمية : » وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما
يستحقه وحده ، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئاً من المخلوقات في جميع الأمور ، فمن
عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك « . [5] والصورة الواضحة الجلية لهذا الشرك
هي عبادة الأصنام ، التي كانت تتخذ سابقاً في عصور الجاهلية القديمة من حجر أو
خشب ... ولكنها تظهر في عصور أخرى بمظاهر شتى قد تكون مذهباً من المذاهب
الفكرية ، أو الاقتصادية وقد تكون أهواء وشهوات يخضع لها الناس فيتخذونها آلهة.. وقد تكون الأصنام مجموعة من القيم الاجتماعية والمادية التي تسيطر على الناس ، على ما حكاه الله تعالى عن أقوام فقال : ] أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ [ [الجاثية : 23]
] مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وهُمْ فِيهَا لا
يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إلاَّ النَّارُ وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ [ [ هود : 15 ، 16] .
-4-
ويبحث العلماء تحت هذا الشرك أنواعاً من العبودية لغير الله ، كشرك الدعاء
سواء كان دعاء عبادة وثناء ، أو دعاء طلب ومسألة ، مما لا يجوز أن يتوجه به إلا
لله تعالى وحده ، لأن الدعاء هو العبادة .
وكذلك شرك العبادة والتقرب الذي يظهر جلياً وواضحاً في عبادة الأصنام
وإعطائها بعض خصائص الألوهية ، أياً كانت هذه الأصنام وبأي صورة ظهرت .
ولا يقل عن هذا اللون من الشرك ما يسمى أيضاً بشرك طلب الشفاعة من غير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. وكتب العقيدة والتوحيد أفاضت في بيان ذلك
كله .
وتبقى ألوان أخرى من الشرك الأكبر قد تكون اتسعت دائرتها في العصور
الأخيرة ، أكثر مما كانت في عصور سابقة ، وذلكم هو شرك الطاعة والاتباع ،
وشرك المحبة والنصرة .
-5-
فقد اتفق العلماء على أن الحكم لله وحده سبحانه وتعالى ، فهو المتفرد بالخلق
فينبغي أن يكون متفردا بالأمر . فلا أحد يستحق أن ينفذ حكمه على الخلق إلا من
كان له الخلق والأمر - سبحانه وتعالى - فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه ، ولا
مالك إلا الله الخالق ، فلا حكم ولا أمر إلا له . أما غيره سبحانه ، فلا يجب شيء
بإيجابه ، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم [6] .
وقد تواردت النصوص الشرعية تؤيد هذا المنطلق السليم وتؤكده ، فهي تُلْزِم
البشر باتباع ما جاء من عند الله تعالى ، وتحرِّم عليهم تحريما قاطعاً اتباع ما يخالفه : ] اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ [
[الأنعام : 106] ، ] اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [ [الأعراف : 3] ...
والآيات في ذلك كثيرة تعزُّ على الحصر .. توجب الحكم بما أنزل الله وتحكم
بالكفر والفسق والظلم على كل من يخالف حكم الله تعالى .
ولذلك كان كل من أطاع مخلوقاً في تحريم الحلال أو تحليل الحرام - وهو
متبع له في هذا التبديل - فهو مشرك شرك الطاعة والانقياد والاتباع [7] .
وقد حكم الله على اليهود والنصارى بالشرك لاتباعهم الأحبار والرهبان
واتخاذهم أرباباً من دون الله ، ثم بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بياناً
واضحاً ببيان ما هية العبادة التي وقعوا فيها . [8]
وهذا النوع من الشرك يعم اليوم أصقاعاً وبقاعاً كثيرة في بلدان العالم ، بعد
تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم في شؤون الحياة كبيرها وصغيرها ، وحصرها
في جوانب ضيقة ، واستبدلوا بها القوانين الوضعية التي ارتضاها الناس لأنفسهم
بمعزل عن دين الله تعالى وشرعه . ولذلك كان من الواجب العناية بهذا اللون من
الشرك وبيان خطورته ، وإن كان ذلك سيؤدي إلى تكاليف باهظة يحتسبها المسلم
عند الله تعالى .
وأما شرك المحبة والنصرة والولاء فيكون عندما يتوجه الإنسان بالمحبة لغير
الله تعالى ، إذْ من مقتضيات التوحيد وأصول العبادة أن نفرد الله تعالى بالمحبة التي
لا تصلح إلا له » وهي حب طاعته والانقياد لأمره « وإلا وقع الشرك الذي جاء
التحذير منه ، عندما تكون المحبة لأعداء الله ، عند موالاة الكافرين ونصرتهم ، لأن
في ذلك نقضاً للميثاق ولكلمة التوحيد ، وخروجاً على مقتضيات الإيمان : ] لا
يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي
شَيْءٍ [ [آل عمران : 28] ] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ [
[المائدة : 51] .
وأما تعريف الشرك الأصغر فهو ما أتى في النصوص الشرعية أنه شرك ،
ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر .
ومن أمثلة هذا الشرك : التطير ؛ وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ لم
والبقاع وغيرها .
ومن الشرك الأصغر : شرك الألفاظ كالحلف بغير الله ، وقول أحدهم : ما شاء
الله وشئت ، ولولا الله وفلان ... إلخ ..
ومن الشرك الأصغر : يسير الرياء لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (إن يسير
الرياء شرك) . وفي ختام هذه المقالة ندعو بما صح عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في قوله : » اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم واستغفرك لما لا
أعلم « .
________________________
(1) معجم مقاييس اللغة : 3 / 365 ، لسان العرب : 10/449 - 450 .
(2) مدا رج السالكين : 1 / 339 .
(3) الدرر السنية : 2/153 .
(4) القول السديد : 43 .
(5) الاستقامة : 1/344 .
(6) المستصفى لغزالي : 1/ 83 ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : 1/ 76 ، مسلم الثبوت : 1 / 52 ، وشرح الكوكب المنير : 1/ 484 ، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام : 1/157- 158 .
(7) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية : 1/97 ، 98 ، 14/ 328 ، 7/70 وتيسير العزيز الحميد (543) .
(8) انظر : تفسير الطبري 4 1/210-211 ، والبغوي : 4/ 39 ، تفسير ابن كثير : 3/122-123 مفاهيم ينبغي أن تصحح ، للأستاذ/ محمد قطب ، فصل (مفهوم لا إله إلا الله) .