مؤشرات الهدى والسداد في الجماعة المسلمة
كثيرة هي الجماعات الاسلامية التي تعمل للاسلام على امتداد العالم .. وكل جماعة من هذه الجماعات تعتبر نفسها الأفضل والأهدى والأمثل وأنها الاحق والأجدر بالبيعةالتي تنعقد عادة لجماعة المسلمين ..
وحيال هذا الخليط المتنافر من المزاعم والادعاءات ، والتي باتت تشكل حالة من الاشمئزاز والتقزز لدى السواد الاعظم من المسلمين ، فضلا عن اعطاء صورة مشوهــــة عن الاسلام لغير المسلمين ، كان لابد من مبادرة جادة يقوم بها العلماء الثقاة والدعاة العاملون ، يرسمون من خلالها صورة قياسية للجماعة المسلمة ، وللمؤشرات الشرعيةالتي تؤكد استقامتها وسلامتها ، حتى لايلتبس الحق بالباطل وحتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله .
وبين يدي هذه القضية أود ان اشير الى عدد من المؤشرات التي تقطع بصلاح وسدادالجماعة المسلمة ، من ذلك :
* التزامها بشرع الله ونزولها عند حكمه في عسرها ويسرها ومختلف احوالها ، وتمسكها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، استجابة للوصية النبوية الماثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : [ تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ماتمسكتم بهما : كتاب الله تعالى وسنتي ] وهذا الالتزام يجب ان يظهر في سلوك الجماعة قيادة وافرادا .. في حياتهم العائلية ، وعلاقاتهم الاجتماعية ، وحركتهم اليومية ، ونشاطاتهم الدعوية والسياسية ، باتيان المعروف واجتناب المنكر.
* حرصها على وحدة صفها الداخلي وتماسك ساحتها الاسلامية ، عـبــر اشاعةالحب والاخوة في الله بين افرادها خصوصا وبين المسلمين عموما ، من خلال المعايشة الجماعية ، والتكافل الاجتماعي ، والحضانة التربوية ، والنشاطات العبادية والدعوية والخيرية وغيرها ، والمسارعة الى سد المنافذ التي يدخل منها الشيطان لافساد العلاقة وتعكير الاجواء عبر الغيبة والنميمة وتسقط العورات وتلمس العيوب والحسد والبغضاء وما الى ذلك ، وليبقى الصف على مثل ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى والسهر]
* ان تكون قيادتها والقائمون علىمفاصل العمل لديها في مستوى القدوة الحسنة التي يدعون الناس اليها ، ولا جدوى من جماعة قيادتها فاسدة ولا قيمة لتربية دونما نماذج تجسدها وتترجمها ، والقاعدة : ان لسان الحال ابلغ وافعل من لسان المقال ، وأن فاقد الشيء لايعطيه .. ولكم قامت جماعات في العصر الحديث ثم دالت واندثرت ، لعلة او علل في قيادتها ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول [ صنفان من امتي اذا صلحا صلح الناس ، واذا فسدا فسد الناس :العلماء والامراء ] والمعنى هنا يطال عموم العلماء وعموم الامراء .
- ان يكون القائمون عليها ، على فقه في دين الله ومعرفة بشرعه وادراك لقوانينه وسننه ، فلا يخبطون في سيرهم خبط عشواء ، ولا يتصرفون بهوى وجهل ، يصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ من يُردالله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده ]
- فهم في دعوتهم للناس ، يستعصمون بالحق ويتواصون به ، ويتذرعون بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويصبرون على ما اصابهم ، ملتزمين في ذلك السلوك القراني الماثل في قوله تعالى [ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ]
- ثم انهم يتعهدون انفسهم بالخير قبل ان يتعهدوا الآخرين، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم [ يقول الله تعالى : يا ابن ادم عظ نفسك ، فان اتعظت فعظ الناس ، والا فاستحي مني ] ويعنون بالاقربين قبل الابعدين . فهم يفقهون اولويات الدعوة من خلال قوله تعالى [ الاقربون اول بالمعروف ] كما يفقهون مراتــب الاصــلاح والتغييـــر في قوله تعالى [ والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين ، واجعلنا للمتقين اماما ] فهم المطالبون باصلاح ذريتهم قبل ان يكونوا ائمة وقادة للمسلمين . وما قيمة امامتهم وقيادتهم للناس ان كانت نفوسهم فاسدة وبيوتهم خربة ؟
- وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهونعن المنكر ، ويبذلون النصح لأئمتهم وخاصتهم قبل عامتهم ، فلا يكونون شهود زور او شياطين خرسا ، ولا يسكتون عن الحق طمعا في مصالح شخصية ومآرب دنيوية . فهم لايتسترون على منكراتهم ويعلنون النكير على الآخرين ، وهذا من الخصال التي اوجبت اللعنة على بني اسرائل مصداقا لقوله تعالى [ لُـُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فلبئس ما كانوا يفعلون ] المائدة 78
- وهم الذين يحرصون على صحبة الاتقياء وتقريبهم ، ومن ثم تقليدهم مواقع المسؤولية ، ويحولون دون وصول الاشقياء اولي المآرب الشخصية والخسيسة، وشاهدهــم في ذلك قوله تعالى [ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم او أبناءهم أو اخوانهم او عشيرتهم،اولئك كتب في قلوبهم الايمان ، وايدهم بروح منه ، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم الغالبون ] المجادلة 22
- وهم - مع الحكمة - يصدعون بالحق ولايساومون ، ولا يبيعون دينهم بعرض زائل من متاع الدنيا واموالها ومناصبها وجاهها وسلطانها فهم يستدرجون ميراث النبوة في حياتهم وسلوكهم ولايكتفون بحفظه في رؤوسهم ، وترداده في خطبهم ومن على منابرهم [ قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها ، احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لايهدي القوم الفاسقين ] التوبة 24
- وهم الذين يُنزلون الناس منازلهم : فللسابقين باحسان منزلتهم ،وللعلماءالعاملين منزلتهم ، وللدعاة المخلصين منزلتهم ، وللمجاهدين باموالهم وانفسهم منزلتهم ، وللناس في مجتمعاتهم ومواقع عملهم ، ومناصبهم منزلتهم التي احترمها الاسلام ودعا الى احترامها ، حتى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على مخاطبة الملوك والحكام بالقابهم .. ففي رسالته الى هرقل كتب : [ الى هرقل عظيم الروم ..]
- وهم الذين تتجلى فيهم العزة على اعداء الاسلام والذلة بين يدي اوليائه من المسلمين ، وهم الاشداء دوما على الكافرين الرحماء دائما بينهم، مصداقا لقوله تعالى [ محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ] وقوله [ با ابها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ] المائدة 54
- وهم الذين ينأون بمواقفهم وسياساتهم عن مطامع الحكام ، ويتحصنون بمبادئهم من منزلقات الجاه والسلطان ، لا تعوزهم الحكمة والتدبير والدفع بالتي هي احسن في تجاوز الصعاب والفتن ، يؤمنون بأن الله وليهم , وسيجعل لهم فرجا ومخرجا ، وهو القائل [ ومن يتق الله يجعل له مخرجا وبرزقه من حيث لايحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا ] ولقد اشار الامام الشهيد حسن البنا الى هذه القضية في معرض كلامه عن خصائص الجماعة المسلمة التي انشأها ، فقال تحت عنوان" البعد عن هيمنة الكبراء والاعيان " : {اننا معشر القائمين على دعوة الاخوان تعمدنا هذا لآول عهد الدعوة ، حتى لا يطمس لونها الصافي لون آخر من الوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء ، وحتى لايحاول احد منهم ان يستغلها او يوجهها في غير الغاية التي تقصد اليها } رسالة المؤتمر الخامس
- وهم الذبن ييسرون ولا يعسرون ويبشرون ولا ينفرون .. فلا يغالون في موقف ، ولا يتطرفون في نهج ،ولا يبالغون في سلوك وتصرف.
- انهم يتحاشون ان يكونوا معنيين بقوله صلى الله عليه وسلم [ الا هلك المتنطعون ]
- ويحاذرون من ان يطالهم قوله عليه الصلاة والسلام [ ان المنبت لاارضا قطع ولا ظهرا ابقى ]
- ثم انهم الابعد عن رمي المسلمين بالكفر ، ولاينسون الحكم النبوي الزاجر:[ من كفّر مؤمنا فقد كفر ] والانذار والتحذير في قوله صلى الله عليه وسلم :[ لاتعودوا بعدى كفارا يلعن بعضكم بعضا ويقطع بعضكم رقاب بعض ]
- وهم الاكثر اجتنابا وبعدا عن سفك الدماء، وترويع الابرياء وهتك الاعراض ونهب الاموال ، مما تشهده اليوم الكثير من المجتمعات الاسلامية والمتهمة به حركات اسلامية وجماعات اصولية ، والاسلام من كل ذلك براء ؟
- ان تكون متوازنة ومتكاملة التربية لاينمو لديها جانب على آخر ولا تشغلها عن الاهتمام بالجزئيات الاخرى ووفق الاولويات .. فهي تهتم ابتداء بالتربية العقيدية والعبادية والاخلاقية والدعوية والحركية ولاتغفل عن الجوانب الرياضية والبدنية والكشفية كما الاخرى التنظيمية والادارية وغيرها. ولقد اجمل الامام الشهيد حسن البنا كل ذلك بقوله :[ ان الاخوان المسلمين : {1} دعوة سلفية {2} وطريقة سنية {3}وحقيقةصوفية {4} وهيئةسياسية{5]وجماعة رياضية {6} ورابطة علمية{7} وشركة اقتصادية {8} وفكرة اجتماعية .. وهكذا نرى ان شمول معنى الاسلام قداكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الاصلاح ، ووجه نشاط الاخوان الى كل هذه النواحي .
وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم الى ناحية واحدة دون غيرها ، يتجهون اليها جميعا ، ويعلمون ان الاسلام يطالبهم بها جميعا ] رسالة المؤتمر الخامس
ثم يؤكد الامام البنا على ذلك فيقول { في الوقت الذي يكون فيه منكم : ثلاثمائة كتيبة،قد جهزت كل منها نفسها { روحيا } بالايمان والعقيدةو{ فكريا } بالعلم والثقافة و { جسميا } بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبوني بأن اخوض بكم لجاج البحار وأقنحم بكم عنان السماء ، وأغزو بكم كل عنيد جبار فاني فاعل ان شاء الله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول { ولن يغلب اثنا عشر الفا من قلة } المؤتمرالخامس
- وفي كلام جامع مانع حدد الامام البنا خصائص الجماعة الراشدة فذكر من ذلك ما يلي :
1ـ البعد عن مواطن الخلاف .
2ـ البعد عن الأحزاب والهيئات .
3ـ العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات .
4ـ ايثار الناحية العملية الانتاجية عن العاية والاعلان .
5ـ شدة الاقبال على الشباب .
6ـ سرعة الانتشار في القرى والبلاد.
وختم البنّا كلامه مركزا على ثوابت ثلاث :
1- الايمان العميق.. 2- التكوين الدقيق .. 3- العمل المتواصل ..
واخيرا ..
فان هذه المؤشرات وغيرها ، يمكن ان تساعد على التمييز بين السليم والسقيم ، والغث والثمين، مما تحفل به الساحة من جماعات وحركات وتنظيمات. فاذا اتصفت جماعة من الجماعات بالوهن في عقيدتها ، والترخص في مبادئها ،والذبول في عبادتها ، والضعف في اخوتها ، والتصدع في وحدتها ، والصراع بين اجيالها ، وتعدد مراكز القوى في بنيتها ، وشيوغ اللغو والغيبة والنميمة بين افرادها ، والتنافس على مكاسب الدنيا ومواقعها من قبل اعضائها ـ وتراجع قرأتها وثقافتها وعلمها ونشاطها وانتاجها، .. واذا هي منيت بالهزائم في معاركها ، والخسارة في صفوفها وكوادرها ، والخرق والاحتواء من قبل اعدائها ،اضافة الى ضعف حضورها واثرها وفاعليتها , فلتعام تلك الجماعة انها على خطر كبير وشر مستطير , وان عليها ان تبادر الى معالجة حالها بصدق مع الله قبل فوات الاوان. وان في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يغني [ فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ] والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين.
كثيرة هي الجماعات الاسلامية التي تعمل للاسلام على امتداد العالم .. وكل جماعة من هذه الجماعات تعتبر نفسها الأفضل والأهدى والأمثل وأنها الاحق والأجدر بالبيعةالتي تنعقد عادة لجماعة المسلمين ..
وحيال هذا الخليط المتنافر من المزاعم والادعاءات ، والتي باتت تشكل حالة من الاشمئزاز والتقزز لدى السواد الاعظم من المسلمين ، فضلا عن اعطاء صورة مشوهــــة عن الاسلام لغير المسلمين ، كان لابد من مبادرة جادة يقوم بها العلماء الثقاة والدعاة العاملون ، يرسمون من خلالها صورة قياسية للجماعة المسلمة ، وللمؤشرات الشرعيةالتي تؤكد استقامتها وسلامتها ، حتى لايلتبس الحق بالباطل وحتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله .
وبين يدي هذه القضية أود ان اشير الى عدد من المؤشرات التي تقطع بصلاح وسدادالجماعة المسلمة ، من ذلك :
* التزامها بشرع الله ونزولها عند حكمه في عسرها ويسرها ومختلف احوالها ، وتمسكها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، استجابة للوصية النبوية الماثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : [ تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ماتمسكتم بهما : كتاب الله تعالى وسنتي ] وهذا الالتزام يجب ان يظهر في سلوك الجماعة قيادة وافرادا .. في حياتهم العائلية ، وعلاقاتهم الاجتماعية ، وحركتهم اليومية ، ونشاطاتهم الدعوية والسياسية ، باتيان المعروف واجتناب المنكر.
* حرصها على وحدة صفها الداخلي وتماسك ساحتها الاسلامية ، عـبــر اشاعةالحب والاخوة في الله بين افرادها خصوصا وبين المسلمين عموما ، من خلال المعايشة الجماعية ، والتكافل الاجتماعي ، والحضانة التربوية ، والنشاطات العبادية والدعوية والخيرية وغيرها ، والمسارعة الى سد المنافذ التي يدخل منها الشيطان لافساد العلاقة وتعكير الاجواء عبر الغيبة والنميمة وتسقط العورات وتلمس العيوب والحسد والبغضاء وما الى ذلك ، وليبقى الصف على مثل ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى والسهر]
* ان تكون قيادتها والقائمون علىمفاصل العمل لديها في مستوى القدوة الحسنة التي يدعون الناس اليها ، ولا جدوى من جماعة قيادتها فاسدة ولا قيمة لتربية دونما نماذج تجسدها وتترجمها ، والقاعدة : ان لسان الحال ابلغ وافعل من لسان المقال ، وأن فاقد الشيء لايعطيه .. ولكم قامت جماعات في العصر الحديث ثم دالت واندثرت ، لعلة او علل في قيادتها ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول [ صنفان من امتي اذا صلحا صلح الناس ، واذا فسدا فسد الناس :العلماء والامراء ] والمعنى هنا يطال عموم العلماء وعموم الامراء .
- ان يكون القائمون عليها ، على فقه في دين الله ومعرفة بشرعه وادراك لقوانينه وسننه ، فلا يخبطون في سيرهم خبط عشواء ، ولا يتصرفون بهوى وجهل ، يصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ من يُردالله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده ]
- فهم في دعوتهم للناس ، يستعصمون بالحق ويتواصون به ، ويتذرعون بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويصبرون على ما اصابهم ، ملتزمين في ذلك السلوك القراني الماثل في قوله تعالى [ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ]
- ثم انهم يتعهدون انفسهم بالخير قبل ان يتعهدوا الآخرين، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم [ يقول الله تعالى : يا ابن ادم عظ نفسك ، فان اتعظت فعظ الناس ، والا فاستحي مني ] ويعنون بالاقربين قبل الابعدين . فهم يفقهون اولويات الدعوة من خلال قوله تعالى [ الاقربون اول بالمعروف ] كما يفقهون مراتــب الاصــلاح والتغييـــر في قوله تعالى [ والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين ، واجعلنا للمتقين اماما ] فهم المطالبون باصلاح ذريتهم قبل ان يكونوا ائمة وقادة للمسلمين . وما قيمة امامتهم وقيادتهم للناس ان كانت نفوسهم فاسدة وبيوتهم خربة ؟
- وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهونعن المنكر ، ويبذلون النصح لأئمتهم وخاصتهم قبل عامتهم ، فلا يكونون شهود زور او شياطين خرسا ، ولا يسكتون عن الحق طمعا في مصالح شخصية ومآرب دنيوية . فهم لايتسترون على منكراتهم ويعلنون النكير على الآخرين ، وهذا من الخصال التي اوجبت اللعنة على بني اسرائل مصداقا لقوله تعالى [ لُـُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فلبئس ما كانوا يفعلون ] المائدة 78
- وهم الذين يحرصون على صحبة الاتقياء وتقريبهم ، ومن ثم تقليدهم مواقع المسؤولية ، ويحولون دون وصول الاشقياء اولي المآرب الشخصية والخسيسة، وشاهدهــم في ذلك قوله تعالى [ لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم او أبناءهم أو اخوانهم او عشيرتهم،اولئك كتب في قلوبهم الايمان ، وايدهم بروح منه ، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم الغالبون ] المجادلة 22
- وهم - مع الحكمة - يصدعون بالحق ولايساومون ، ولا يبيعون دينهم بعرض زائل من متاع الدنيا واموالها ومناصبها وجاهها وسلطانها فهم يستدرجون ميراث النبوة في حياتهم وسلوكهم ولايكتفون بحفظه في رؤوسهم ، وترداده في خطبهم ومن على منابرهم [ قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها ، احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لايهدي القوم الفاسقين ] التوبة 24
- وهم الذين يُنزلون الناس منازلهم : فللسابقين باحسان منزلتهم ،وللعلماءالعاملين منزلتهم ، وللدعاة المخلصين منزلتهم ، وللمجاهدين باموالهم وانفسهم منزلتهم ، وللناس في مجتمعاتهم ومواقع عملهم ، ومناصبهم منزلتهم التي احترمها الاسلام ودعا الى احترامها ، حتى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على مخاطبة الملوك والحكام بالقابهم .. ففي رسالته الى هرقل كتب : [ الى هرقل عظيم الروم ..]
- وهم الذين تتجلى فيهم العزة على اعداء الاسلام والذلة بين يدي اوليائه من المسلمين ، وهم الاشداء دوما على الكافرين الرحماء دائما بينهم، مصداقا لقوله تعالى [ محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ] وقوله [ با ابها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ] المائدة 54
- وهم الذين ينأون بمواقفهم وسياساتهم عن مطامع الحكام ، ويتحصنون بمبادئهم من منزلقات الجاه والسلطان ، لا تعوزهم الحكمة والتدبير والدفع بالتي هي احسن في تجاوز الصعاب والفتن ، يؤمنون بأن الله وليهم , وسيجعل لهم فرجا ومخرجا ، وهو القائل [ ومن يتق الله يجعل له مخرجا وبرزقه من حيث لايحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا ] ولقد اشار الامام الشهيد حسن البنا الى هذه القضية في معرض كلامه عن خصائص الجماعة المسلمة التي انشأها ، فقال تحت عنوان" البعد عن هيمنة الكبراء والاعيان " : {اننا معشر القائمين على دعوة الاخوان تعمدنا هذا لآول عهد الدعوة ، حتى لا يطمس لونها الصافي لون آخر من الوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء ، وحتى لايحاول احد منهم ان يستغلها او يوجهها في غير الغاية التي تقصد اليها } رسالة المؤتمر الخامس
- وهم الذبن ييسرون ولا يعسرون ويبشرون ولا ينفرون .. فلا يغالون في موقف ، ولا يتطرفون في نهج ،ولا يبالغون في سلوك وتصرف.
- انهم يتحاشون ان يكونوا معنيين بقوله صلى الله عليه وسلم [ الا هلك المتنطعون ]
- ويحاذرون من ان يطالهم قوله عليه الصلاة والسلام [ ان المنبت لاارضا قطع ولا ظهرا ابقى ]
- ثم انهم الابعد عن رمي المسلمين بالكفر ، ولاينسون الحكم النبوي الزاجر:[ من كفّر مؤمنا فقد كفر ] والانذار والتحذير في قوله صلى الله عليه وسلم :[ لاتعودوا بعدى كفارا يلعن بعضكم بعضا ويقطع بعضكم رقاب بعض ]
- وهم الاكثر اجتنابا وبعدا عن سفك الدماء، وترويع الابرياء وهتك الاعراض ونهب الاموال ، مما تشهده اليوم الكثير من المجتمعات الاسلامية والمتهمة به حركات اسلامية وجماعات اصولية ، والاسلام من كل ذلك براء ؟
- ان تكون متوازنة ومتكاملة التربية لاينمو لديها جانب على آخر ولا تشغلها عن الاهتمام بالجزئيات الاخرى ووفق الاولويات .. فهي تهتم ابتداء بالتربية العقيدية والعبادية والاخلاقية والدعوية والحركية ولاتغفل عن الجوانب الرياضية والبدنية والكشفية كما الاخرى التنظيمية والادارية وغيرها. ولقد اجمل الامام الشهيد حسن البنا كل ذلك بقوله :[ ان الاخوان المسلمين : {1} دعوة سلفية {2} وطريقة سنية {3}وحقيقةصوفية {4} وهيئةسياسية{5]وجماعة رياضية {6} ورابطة علمية{7} وشركة اقتصادية {8} وفكرة اجتماعية .. وهكذا نرى ان شمول معنى الاسلام قداكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الاصلاح ، ووجه نشاط الاخوان الى كل هذه النواحي .
وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم الى ناحية واحدة دون غيرها ، يتجهون اليها جميعا ، ويعلمون ان الاسلام يطالبهم بها جميعا ] رسالة المؤتمر الخامس
ثم يؤكد الامام البنا على ذلك فيقول { في الوقت الذي يكون فيه منكم : ثلاثمائة كتيبة،قد جهزت كل منها نفسها { روحيا } بالايمان والعقيدةو{ فكريا } بالعلم والثقافة و { جسميا } بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبوني بأن اخوض بكم لجاج البحار وأقنحم بكم عنان السماء ، وأغزو بكم كل عنيد جبار فاني فاعل ان شاء الله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول { ولن يغلب اثنا عشر الفا من قلة } المؤتمرالخامس
- وفي كلام جامع مانع حدد الامام البنا خصائص الجماعة الراشدة فذكر من ذلك ما يلي :
1ـ البعد عن مواطن الخلاف .
2ـ البعد عن الأحزاب والهيئات .
3ـ العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات .
4ـ ايثار الناحية العملية الانتاجية عن العاية والاعلان .
5ـ شدة الاقبال على الشباب .
6ـ سرعة الانتشار في القرى والبلاد.
وختم البنّا كلامه مركزا على ثوابت ثلاث :
1- الايمان العميق.. 2- التكوين الدقيق .. 3- العمل المتواصل ..
واخيرا ..
فان هذه المؤشرات وغيرها ، يمكن ان تساعد على التمييز بين السليم والسقيم ، والغث والثمين، مما تحفل به الساحة من جماعات وحركات وتنظيمات. فاذا اتصفت جماعة من الجماعات بالوهن في عقيدتها ، والترخص في مبادئها ،والذبول في عبادتها ، والضعف في اخوتها ، والتصدع في وحدتها ، والصراع بين اجيالها ، وتعدد مراكز القوى في بنيتها ، وشيوغ اللغو والغيبة والنميمة بين افرادها ، والتنافس على مكاسب الدنيا ومواقعها من قبل اعضائها ـ وتراجع قرأتها وثقافتها وعلمها ونشاطها وانتاجها، .. واذا هي منيت بالهزائم في معاركها ، والخسارة في صفوفها وكوادرها ، والخرق والاحتواء من قبل اعدائها ،اضافة الى ضعف حضورها واثرها وفاعليتها , فلتعام تلك الجماعة انها على خطر كبير وشر مستطير , وان عليها ان تبادر الى معالجة حالها بصدق مع الله قبل فوات الاوان. وان في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يغني [ فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ] والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين.