عالج قلبك بالمسجد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى
الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين … أما بعد / فإن قلوبَنا أمانة يجب أن
نقوم بحقّها ، وكثيراً ما يشتكي المسلم قسوة من قلبه ويقول : أريد أن
أُعالج هذا القلب المريض ، فكيف أُليِّنُهُ ؟ وكيف أُرقِّقُهُ ؟ وكيف
أجعله عامراً بذكر الله ؟ هذه القلوب يا عباد الله لابد لها من تعاهد
ومراعاة ، وإعمار ومداواة ، هذه القلوب التي إذا صدئت بكرِّ الذنوب
وتواليها عليها صار صاحبُها بعيداً عن الله عاملاً بالمعاصي ، فإذا قُبض
على هذه الحال كانت المصيبة العظيمة ، كيف نعالج قلوبَنا ؟ كيف نداوي هذه
القلوب ونُرققها ؟ إن العلاجات الإسلامية وهذه الأمور الشرعية التي جاءت
في هذا الباب مُتعدّدة ، وهناك علاجٌ مهم جداً للقلوب نريد أن نلقي عليه
المزيد من الاهتمام ، ونُحيطه بكثير من الرعاية ، ألا وهو: المساجد ، ماهي
العلاقة بين القلب وبين المسجد ؟ وكيف يكون المسجد طريقاً لإصلاح القلب ؟
أيها المسلمون : إن نبيّنا صلى الله عليه وسلم قد ذكر في السبعة الذين
يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (( ورجل قلبه معلق بالمساجد ))
فهناك علاقة إسلامية قوية بين القلب والمسجد ، (( في بيوت أذن الله أن
ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لاتلهيهم تجارة
ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوماً تتقلب فيه
القلوب والأبصار )) هذه البقاع الأرضية التي تُنظِّرها الأنوار السماوية ،
وترفُّ عليها الملائكة بأجنحتها ، هذه أفضل البقاع عند الله ، أماكن
المنافسة في الخيرات ، أماكن اجتماع المؤمنين ، وأداء العبادات ، ونزول
الملائكة والرحمات ، هذه الأماكن التي تُغسل فيها القلوب ، وينجلي صدؤُها
، هذه الأماكن التي يجتمع المؤمنون فيها معاً ، طاعة لله عز وجل ، والرؤوس
تتساوى مع الأجساد القائمة لله تعالى ركوعاً وسجوداً وقياماً وخضوعاً ،
عباد الله : إن هذه الدعوة الكريمة التي تنطلق من هذه البيوت تكبيراً لله
عز وجل ، إنها كفيلة فعلاً بأن تُوقظ القلوب النائمة ، وأن تُعيد القلوب
الغافلة إلى رُشدها ، عندما يكون قلب المؤمن سراجاً في المسجد وقنديلاً
فيه معلّق ، عندما يكون معلقاً في هذا المكان يحصل له من الطُمأنينة
والسكينة ما الله به عليم ، قلبه معلق في المسجد ... شبه القلب بالقنديل
والقنديل ملازم للمسجد ، فهذا رجل كثير الملازمة للمسجد لايخرج منه حتى
يعود إليه ، أو التعليق بشدة الحُب ، فهذا قلب معلّق بالمسجد ، إنه يُحبه
حباً جماً ، معلق بالمساجد من حبِّها أو من طول ملازمتها معنيان جليلان ،
ذكرهما العلماء في هذه المسألة ، هنا السماوات تبدو قُرب طالبها … هنا
الرحاب فضاء حين يُلتمس … هنا الطهارة تحيا في أماكنها … لا الطِّيب يبلى
ولا الأصداء تندرسُ ،، فإذاً ملازمة المساجد وكثرة الذهاب إليها وإعمارها
بطاعة الله عز وجل علاجٌ عظيم لنا في قلوبنا ، إنه فعلاً دواءٌ لمن يبحث
عن الدواء ويشتكي من الداء ، وقلوبنا فيها أدواء وشهوات وشبهات ، إن نبينا
صلى الله عليه وسلم من حُبه للمسجد لما مرِض مرَض الموت أمر أن يُخرج به
يُهادى بين رجلين من أهله ، تقول عائشة : كأني أنظر رجليه تخُطان من الوجع
، تخُطان لأنه لم يكن يقدر على رفعهما من الأرض ، يا عبدالله : إذا خرجت
إلى المسجد فأنت في ضمان الله عز وجل ، أنت في حفظه وأنت في رعايته ، إنك
إذا خرجت إلى المسجد متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجرُك كأجر الحاج المُحرم
كما جاء عند أبي داود في الحديث الحسن . أيها المسلمون : قيام نصف ليلة
ليس شيئاً سهلاً لكنه يُدرك بصلاة العشاء جماعة في المسجد ، وإحياء الليل
كلِّه في الصلاة هو أمر صعب وشاق لكنه يُدرك بصلاة الفجر جماعة في المسجد
، إن أربعين يوماً بمائتي صلاة تُدرك فيها تكبيرة الإحرام تحصل لك بها
شهادتان عظيمتان ، ليس من أرقى الجامعات ، وإنما من رب الأرض والسماوات
شهادة فيها براءة من النار ، وشهادة فيها براءة من النفاق ، إذا أدركت
التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة في المسجد ، فكيف تكون مُدركاً لها ؟
أولاً : أن تكون قائماً في الصف حين يُكبِّر الإمام تكبيرة الإحرام ،
وثانياً: أن تُكبِّر معه مباشرة ، وعند ذاك تُدرك تكبيرة الإحرام ، بمائتي
صلاة في أربعين يوماً تحصل لك هاتان البراءتان العظيمتان ، وقد جرّب بعض
الناس ذاك فوجد فيه من النعيم العظيم والسكينة والهداية شيئاً كبيراً ،
إذاً كان تطبيق هذا الحديث عند البعض سبباً في استقامتهم وتحويل المسار في
حياتهم ، أيها الإخوة : لما قال بعض السلف : إننا في نعيم لو يعلم عنه
الملوك لجالدونا عليه بالسيوف ، إنهم كانوا يقصدون تلك الطمأنينة والسكينة
والراحة النفسية التي كانوا يجدونها في مثل بيوت الله عز وجل ، في مثل هذه
الشعيرة العظيمة وهي إتيان بيوت الله تعالى ، ولذلك لم يكونوا مستعدين
للتنازل عنها إطلاقاً ، التنازل عن النعيم والسرور والانشراح الذي وجدوه
في المساجد ، ولذلك قيل لسعيد بن المسيِّب رحمه الله وقد اشتكى عينه مرةً
: لو خرجت إلى العقيق ــ مكان خارج المدينة ــ فنظرت إلى الخضرة لعل النظر
إلى الخضرة يعالج عينك ، فقال : فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح ، كيف أصنع
بفوات صلاة العشاء والفجر مع الجماعة ، ولذلك ما نُودي للصلاة أربعين سنة
إلا وسعيد بن المسيِّب في المسجد ، ولما تزوج الحارث بن حسان رحمه الله
امرأة في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة ، قيل له : أتخرج
وإنما بنيت في أهلك الليلة ؟ فقال : والله إن امرأة تمنعني من صلاة الفجر
في جمعٍ لامرأة سوء ، لا يمكن أن أقبل بها ، فهو إذاً يُدرك صلاة الفجر
حتى في صبيحة عُرسه في جماعة ، والله لقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا
منافق معلوم النفاق ، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين رجلين حتى يُقام في
الصف ، وقد نُقل عن عدد من السلف أنهم كانوا يُؤتى بهم إلى المساجد
محمولين ، هذا التعليق للقلب بالمساجد والحرص على ذلك يؤدي إلى أن يلقى
الإنسانُ ربّه وهو عنه راضٍ ، وقد حضرت المنيّة جماعة من السلف وهم في
المساجد ، لكثرة تعلُّقهم بها عباد الله : إن الملَك يغدو برايته مع أول
من يغدو إلى المسجد ، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلَ بها منزلَه ، هذا
حديث صحيح موقوف جاء عن أحد